نقد أدبي  



يوسف الصائغ الشاعر العراقي (الحزين) ... يقاطعه الأدباء (الكبار)

تاريخ النشر       20/10/2009 06:00 AM


مؤشران لافتان برزا في الاحتفاء بالشاعر والروائي والكاتب المسرحي والرسام والصحافي العراقي يوسف الصائغ الذي شهده قبل أيام "الاتحاد العام للأدباء والكتًاب في العراق" في بغداد( تشرين الاول 2000). فالتظاهرة خجولة مرتبكة اقترحها "نادي أدب الشباب" وقاطعها الأدباء والمثقفون العراقيون الرسميون، كما انها جاءت متأخرة إذ لم يعرف عن مؤسسة ثقافية عراقية أن احتفت بالصائغ الذي أنهى عامه السابع والستين قبل أيام على رغم الأثر اللافت الذي تركه في الثقافة العراقية شعراً ورواية وأدباً مسرحياً وحتى في الصحافة والرسم.
وإذا كان الاحتفاء عابراً، فانه حقق فضيلة في اظهاره وعي أدباء العراق الشباب لأثر الصائغ ولا سيما انهم عنوا في دراسة الأشكال الأدبية التي اشتغل عليها صاحب ديوان "اعترافات مالك بين الريب" ورواية "اللعبة" التي تحولت فيلماً سينمائياً في الثمانينات، وكتبها اثناء وجوده في السجن لتغيير ايقاع كانت فيه الأيام تتيبس على جدران الزنزانة وذلك في خمسينات العراق وقبل 14 تموز (يوليو) 1958.

وفي حين لم يتوقف المشاركون في الأمسية الاحتفائية عند عمل من أعمال الصائغ الشعرية المهمة ألا وهو ديوانه الرقيق "سيدة التفاحات الأربع" الذي كتبه عام 1976 وفي غضون أيام قليلة بعد وفاة زوجته في حادث سيارة، إلا أنهم أبرزوا ديوان "المعلم" بوصفه يتضمن قصائد "تناسب" الثقافة العراقية الرسمية وخطابها السائد لجهة "تعظيم التحدي السياسي الذي ينتهجه صدام حسين" كما انهم لم يتوقفوا بالطبع عند نبرة حزينة تكاد تطبق على قصائد قصيرة يكتبها الصائغ الآن بوصفها معادلاً موضوعياً لانكسارات حياتية موضوعية وذاتية تحاصره، فلا رهانه السياسي عبر ارتباطه بالحزب الشيوعي العراقي حتى نهاية السبعينات، ولا  "الاستقرار الوطني" من خلال حرصه على البقاء في العراق والانتظام في مؤسسته الرسمية الثقافية (مدير السينما والمسرح لسنوات طويلة)، بدا مجدياً وإن في حدوده الأدنى،  ولا رهانه الروحي على سلام شخصي بدا ممكناً في سنوات العمر الأخيرة. حتى بدا الصائغ مقذوفاً الى موجات متلاطمة من حزن جبار يحاول أحياناً وضعه في "اطار موضوعي" كما في هذا النص القصير:
"قالت لي الكرة الأرضية: / يا ولدي المقهور / منذ دهور / وأنا أحملكم في حضني .. وأدور / أتعذب، / بين الظلمة والنور / وأعاني ما في عالمكم / من إثم وشرور / والآن تعبت / ويجدر بي / أن أرتاح من الدوران على نفسي / بضع سنين ... / فاطلب مني  قبل سباتي / شيئاً ما ... يا ولدي المسكين ... / قلت لها: ماذا يمكن أن اطلب .. / إلا  أن تبقي  يا أمّاه  تدورين / حتى يطلع صبح المقهورين".

أو حين يحيل الشاعر الصائغ حزنه الى "السجن الكامن فيه" كما في نص قصير آخر بعنوان "سؤال" أو حين يحيله انهياراً فكرياً: "يا أيتام الوهم اتحدوا .. / ولنشرب هذي الليلة / نخب القرن الحادي والعشرين / حيث ينام فرانكو / في قبر لينين".

صورة لمقالتي عن الراحل الصائغ في "الحياة"
 
ولم يتوقف الاحتفاء بيوسف الصائغ عند جهد قيِّم بذله صاحب "اعترافات مالك بن الريب" القصيدة الشعرية المطولة التي صارت علامة فارقة في شعر أواخر الستينات العراقية والعربية. وجهد الصائغ ذلك تمثل في دراسته الأكاديمية (نال عنها درجة الماجستير، 1977).
     وحين اقترب المحتفون من يوسف الصائغ روائياً وعبر عَمَلَيْه "اللعبة" (1971) و "المسافة" (1974) ومنه كاتباً مسرحياً لأعمال باتت تشكل علامات بارزة في الأدب المسرحي عراقياً وعربياً: "الباب" (1985) و "العودة" (1986) و "دزدمونة" (1989)، فانهم ما وضعوا تلك التجربة في سياق براعة ينتظم فيها "نثر" الشاعر يوسف الصائغ، مثلما فاتهم نثره الرقيق والمؤثر في كتابه (سيرته الذاتية) الذي حمل عنوان "الاعتراف الأخير لمالك بن الريب" (1989).


* نشرت في "الحياة" 29  تشرين الأول 2000



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM