نقد أدبي  



روفائيل بطّي ناقدا رائدا: من مضيق التقليد الى فضاء الإبداع

تاريخ النشر       14/12/2009 06:00 AM


علي عبد الأمير
فضيلة كتاب الناقد حاتم الصكر الصادر عن "دار الجمل" والذي يتولى التعريف بأعمال روفائيل بطي, هي المساهمة في الكشف عن شخصية ادبية – سياسية, تميزت بالمعرفة العميقة واثارتها للسجال, بل انه يذهب الى اكثر من هذا فيسمي روفائيل بطي كرائد للنقد الشعري في العراق, ويقدم في هذا الصدد أسانيد قرائية واثباتات تؤكد تلك المعالم الريادية, فقد بدأ من مطلع هذا القرن شوط جديد من اشواط النهضة يتمثل في محاولة خلق ( مفاهيم شعرية معاصرة ) تستجيب للحياة داخل العصر, بنفس القدر الذي ترسخ فيه ملامح ادب متميز, وكان هذا قد تزامن مع بدء نهضة العرب التحررية ونشاط الحركة الاستقلالية.
 

الناقد حاتم الصكر (كاميرا علي عبد الأمير بغداد-1987)

يرى الناقد حاتم الصكر ان روفائيل بطي ناقد شعر مجدد ورائد, وفي هذا الصدد لا بد من عزل دوره في السياسة والصحافة! فدوره في هذا المجال يبدو ثانويا قياسا بجهده في تكوين ملامح نظرية شعرية عمّقها بالنقد والترجمة والكتابة, هذا العزل القسري يبدو لي كقاريء وما بين بطي, كاتجاه معرفي وثقافي وبين انهماكاته السياسية والصحافية, غير دقيق بالمرة, فما كان لبطي ان يتكون إلا بسبب تلك الحصيلة من النشاط الفاعل والمؤثر, وهو في كل ما ذهب اليه كان ممثلا لذاته التي وجدت فاعليتها في أشكال عديدة من الممارسة الكتابية، اكانت نقدا أدبيا ام مقالات صحافية في نقد الظواهر الاجتماعية وفي التطلعات لنقل الافكار من رؤى مجردة شخصية الى نفوذ تطبيقي تمثل في انهماك بطي في العمل السياسي المباشر, والفصل الذي اقترحه الناقد الصكر جاء ضمن محور واحد لموضوع واحد ألا وهو علامات التحديث في الشعر, ويحددها في ثلاثة مصطلحات:
- الشعر العصري
- الشعر المنثور
- الشعر المرسل
ومصطلح "العصري، مستقر في نفس بطي وإن لم يكن مبتدعه فهو يستخدمه وصفا للحياة ( العصرية ) والناس ( الأنفس العصرية ) وللدواوين والاشعار والكتاب والشعراء .. والذوق أيضا ", ويحدد في مناسبة لاحقة مزايا الشعر العصري : ( الشعور الصادق – الشخصية – الاتصال بالعصر – وبتاريخ وطنه ), وفي تحديده للشعر المنثور واهميته يتوقف بطي عند نقطة تظهر اتصاله مع فنون الشعر والثقافة عند الغرب, فهو يرى فيه اتصالا مع طريقة والت ويتمان الذي كان ديوانه " أوراق   العشب", قد طبع في امريكا عام 1855, ( لقد كان رهان بطّي على الشعر المنثور الذي كتب فيه عدة قصائد, تعكس احتفاله بالمعاني والالفاظ ), كما رأى اهمية الشعر المرسل والذي دعا اليه الزهاوي مهملا القافية محافظا على الوزن, وتعددت انشطة روفائيل بطّي في ملاحقة الاساليب الشعرية والتعريف باتجاهاتها وانجازاتها, واستطاع ان يقرأ في السياب قدرته على : إرسال شعره على سجيته من غير ان يتقيد دائما بتعابير رصينة او قوالب تقليدية درج عليها صاغة القوافي الفحول في قديم الزمان وحديثه, ويذهب في الامل برؤية صياغة شعرية جديدة عند السياب فيقول : ( فعسى ان يمعن في جرأته في هذا المسلك الجديد ... لعله يوفق الى أثر في شعر اليوم ), كل هذا في تقديمه لديوان السياب الاول "أزهار ذابلة – 194".
كتاب الناقد حاتم الصكر الذي كان في مقدمة طويلة ومختارات من مقالات النقد التي وضعها روفائيل بطّي, يعرفنا بحق على شخصية حيوية ومبهرة في رياديتها والمتمثلة في أكثر من اتجاه ثقافي ومعرفي عندما نقرأ في سيرة بطّي نجد : انه ولد في الموصل العام 1901, درس في كلية الحقوق وأصدر مجلة ( الحرية ) الشهرية العلمية الادبية العام 1924, أصدر صحيفة ( البلاد ) العام 1929, وسافر الى مصر للعمل في صحيفة ( الاهرام ) 1946, ويفوز العام 1948 بانتخابات المجلس النيابي بعد عودته الى بغداد, وليصبح وزيرا العام 1953 لشؤون الصحافة والارشاد, ويتوفى العام 1956 بالسكتة القلبية.
 
* عرض للكتاب نشر في صحيفة بغداد الصادرة في لندن 21 حزيران 1996


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM