نقد أدبي  



ندوة المربد عن السيّاب: رحل عن دنيا أحبها .. ولم تحبه

تاريخ النشر       24/12/2014 06:00 AM


بغداد- علي عبد الأمير                  

"لقد رافقت  كلكامش في مغامراته،وصاحبت عوليس في ضياعه،وعشت التاريخ العربي، ألا يكفي هذا"....السيّاب .. من رسالة الى عاصم الجندي في 11/9/1963
كانت تحية خاصة تلك التي حيّا بها "مهرجان المربد" في دورته العاشرة، الشاعر بدر شاكر السيّاب حين خصه بمحور كامل من محاور حلقته الدراسية التي عرضنا بلمحة موجزة للعديد من بحوثها، والسيّاب حضر عبر "وثائق من لحم ودم " كما في بحثيْ د . عبد الواحد لؤلؤة والناقد ماجد السامرائي،حضر ايضا في "وثائق ورقية"– التعبير للدكتور مالك المطلبي – كما في بحثيْ د . محمد الهادي الطرابلسي المقدم ضمن محور آخر هو محور لغة الشعر العربي الحديث لكنه اعتمد توظيف الاصوات عند السيّاب في مثال قصيدته "الاسلحة والاطفال" ،وبحث د . مالك المطلبي "الثوب والجسد" .
المفاجأة التي كانت من طرف آراء مثلها د . صفاء خلوصي حين وجد هذا التكريس لشاعر كالسيّاب محاولة "تأليه" بعض الاسماء،واجدا ان تعبير مثل ريادة السيّاب الفنية وتحديثه للقصيدة العربية كلام يفتقر الى الدقة،وان شعراء سبقوه هم احق بقول حدود التوصيف هذه !! مداخلة د . صفاء خلوصي أعقبت البحوث والتعقيبات وجاءت في سياق مناقشات احسن إدارتها الناقد السعودي د . سعيد السريحي ،وكي نقترب من جو الاحتفاء بذكرى الشاعر لا بد من عرض للبحوث التي عنيت به ودرسته كظاهرة بارزة في مسيرة التجديد التي عرفها الشعر العربي. 
 

 
 
عبد الواحد لؤلؤة :مصادر قصيدة السيّاب
كان السيّاب شاعرا،موهبته اكبر من ثقافته ،هكذا بدأ الباحث لؤلؤة مقاربته لدراسة مصارد قصيدة السيّاب, وفصّل مسيرة السيّاب الشعرية الى ثلاث مراحل : الاولى  "رومانسية البواكير 1941- 1950 " والمرحلة الثانية "الانتماء  1949 –1960 "والتي تميزت بإنتماء الشاعر السياسي،كما شهدت نضوجه الفني رغم توجهات فكرية لم تكن بالغة الاقناع له،وهناك تقريب لما يمكن اعتباره مرحلة ثالثة"الانكفاء  1960 – الى وفاته 24/12/1964"وتميزت بالانكفاء على الذات بما قد يوصف بمرحلة الرومانسية المتطورة.
الباحث اشار الى ان ثقافة الشاعر قياسا لزمنه تصل لدرجة يمكن تقييمها  "فوق المتوسط "ايضا وعن هذا اعلن د . عبد الواحد لؤلؤة ما عنده من اوراق بخط الشاعر تبين حدود تلك المعرفة. 
وعن مصادر قصيدة السيّاب يتحدث الدكتور عبد الواحد لؤلؤة فيعددها :
-"الموهبة" التي جعلته ينظم الشعر بالعامية وهو في عامه الدراسي الاول، وتم تسجيل اول قصيدة بالفصحى كتبها وهو في الصف الثالث من الثانوية عام 1941
-"السفر الى بغداد "والدراسة هناك اضافة الى اقترابه من المرأة ، كما ان اتساع افق قراءاته كان مدعاة لتطوير شكل القصيدة،فالموهبة وحدها لم تعد تكفي لخلق شعراء مثل     ايديث ستويل وإليوت كما قال السيّاب،وفي علاقة الشاعر بالثقافة الاجنبية اشار الباحث لخطأ تضخيم مستوياته وكذلك الخطأ الآخر حين يتم التحامل عليه لانه لم يكن مطلعا على تلك الثقافة.في باب المناقشات قال الشاعر والناقد خالد علي مصطفى  ان البحث في ثقافة قصيدة السيّاب بدا له اجدى من البحث في ثقافة السيّاب الذي قدمه الباحث كما ان اشار الى حد انتفاء الجديد من النتائج في البحث فظهر وكأنه اعادة تذكير بما عرفناه وقرأناه عن السيّاب، فيما رأى الناقد حاتم الصكر ان جملة الباحث الاولى التي بدأ فيها البحث كانت مصادرة السيّاب.  
 
ماجد السامرائي :التجربة ... ومفهوم الريادة
يرى الباحث السامرائي ان الابحاث التي تجد في "التاريخي" من الريادة،هي نظرة سطحية تغفل "الفني" معتمدة على مسألة "السبق الزمني" .الريادة كما يجدها الباحث،تأسيس لعلاقة جديدة مغايرة للسائد والمألوف، ولم تكن كما يقول من باب الاكرام لذكرى الاموات تلك المقدمة التي كتبها ادونيس لمختاراته من شعر بدر شاكر السيّاب .. ورأت فيها "تجربة ريادية": بدءا منها ومعها اخذ يُنشيء للشعر العربي الجديد،وسط تعبيري جديد،وهو الآن من القوة والسيادة بحيث انه يبدو "ابداعا مستمرا" ،لهذا فان ريادة السيّاب الشعرية،بإطار حركة الشعر الجديد تتمثل لنا في معطيين اساسيين هما : 
اولا :كونه مؤسسا لتجربة جديدة،كرس الكثير من مفهوماتها واتجاهاتها من خلال انجازاته الشعرية.
ثانيا : ارتباط هذه التجربة بمفهوم "الحداثة" بل"أضحت احد العناصر الاساسية في تشكيل هذا المفهوم" ،والباحث يرى ان الريادة الشعرية للسيّاب تتمثل عبر:
1 – تجاوزه الاطار الشكلي القديم للشعر.
2 – جعل من قصيدته "سؤالا" يحمل رؤيا المصير.
3 – اندفع باللغة جاعلا منها "لغة حيوية".
4 – خروج قصيدته من نطاق الانطباع الى مستوى جعل منها قصيدة ذات بُنية درامية.
5 – برز الجانب الاسطوري عنصرا مهما من عناصر بناء القصيدة تجربة ورؤيا              وموقفا.
الباحث د.أسعد خير الله تولى التعقيب على هذا البحث ورأى فيه بحثا طموحا في صحته،ويراه كتلخيص لمشروع كتاب.البحث وبسبب هذه السعة "لم يحتو على التحليل واقترب من الوصف التعميمي،وبذلك فقد القدرة على الاقناع وكان كلامه مجردا عن البرهان الحسي"والباحث ودائما حسب الاستاذ د . أسعد خير الله،لم يكن دقيقا في اقتباساته ان كانت له أم للشاعر أم لأحد النقاد،وهو يحشد اقتباسات دون ان يناقشها وبذلك فهو يرى الباحث "يشكو من اضطراب في المنظور النقدي "،وفي معنى الريادة يقول المعقب ما يلي : لم يكن تحديده للريادة واضحا وهو يكاد ان يخلط بها مع" الحداثة" ،لاحقا تساءل المعقب هل التضمين الاسطوري عند السيّاب هو جزء من الشكل ام المضمون؟     
مالك المطلبي :"الثوب والجسد"
في بحثه هذا،وهو جزء من مشروع متكامل للناقد المطلبي لدراسة السيّاب،اعتمد المنهج الاسلوبي في تحليل النص واضعا اياه ضمن تكوينين،بحث فيهما عن انواع التقابل : التقابل الدلالي،الفضائي،الزمني،السردي،التركيبي والايقاعي،وبحث في"نواة"النص الرئيسة : ثوب/ جسد أو لبس/ عري، والتي تتحلل الى العديد من المزدوجات :                           
-- مزدوجة الغرفة / الباب
-- مزدوجة الشباك / الستائر
-- مزدوجة الليل / والنهار
-- مزدوجة الأم / الإبن
-- مزدوجة الصمت / الكلام
-- مزدوجة القصبة / الحزقة
-- مزدوجة السرى / السير
وعبر هذه المزدوجات ومثلما يرى المعقب د . علي جعفر العلاّق عرض الباحث منهجيته والمستوى الاجرائي الذي يحلل وفقه نظام النص تحليلا ذكيا ويرى في تلك المزدوجات،انها تحكم حركة التكوينين اللذين تقسم اليهما النص وتحدد كل منهما بالآخر،لكنه أي (المعقب) يرى ان سلسلة هذه الثنائيات قد تمنع الباحث من الاستجابة الحرة الواعية للنص واكتشاف نظامه الخاص وتحول بينه وبين العثورعلى بُنية خصبة كامنة خلف التكاثر الدلالي. 
العلاق رأى "خطرا" في دراسات كالتي تقاربها دراسة البحث المطلبي حيث الترسيمات والخرائط والمعادلات الرياضية و"الخطاطات" كما يسميها الباحث،وهنا يصبح النقد خاليا من الحياة والتوتر من جهة ويتحول النص الى جثة لا دفء لها من جهة ثانية،لقد قدم الباحث دراسته وعبر اختياره هذا النص بالتحديد استنادا لما اسماه بـ "لذة النص"، واعاب الكثير من الآراء التي وردت لاحقا في باب المناقشة،اعتماد الباحث على منهج قرأ فيه النص كبُنى رمزية مغلقة.الآراء تلك اخذت مرجعية السؤال في النقاش بعيدا عن منهج البحث ويبدو انها لا تريد التخلي عن "لذة" الانطباع وضيقها بالتحليل البُنيوي للنص،بحث الاستاذ المطلبي فيه جهد بارع وهو احتفاء خاص بشاعر لا زالت اعماله قادرة على اثارة الكثير من الاسئلة.
 
محمد الهادي الطرابلسي :توظيف الاصوات
يقول الباحث :الابداع الشعري توظيف خاص لأساليب التعبير ولبنات الشعور والتفكير واطار للتفاعل بينها،انه ليس تأنق في البناء مجرد وتوفق في الاداء محدد ولا هو محض اوزان وايقاعات،وانما هو تطويع لكل طرف حاد فيه،تطويع يحدث بين امكانات الذات الشاعرة ووسائل التعبير المتوفرة وهو تطويع يحصل بين اللفظ والمعنى وبين الدال والمدلول عامة ويكون ايضا بين الاصوات والاوزان والايقاعات،ولعل "ايقاع الاصوات" ابرز مظاهر التطويع لان خروج الايقاع من الشعر يفقده هويته وينفي حقيقته،وفي قصيدته "الاسلحة والاطفال" كانت للسيّاب ،كما يقول الباحث،مع الاصوات جولات لا نشك في ان نصه يستمد قيمته منها هي بالذات.
يبدأ نص "الاسلحة والاطفال" بداية طبيعية ويتطور تطورا معقولا وينتهي نهاية منطقية،والباحث يرى ان الشاعر أقامه على ثمانية اقسام مرقمة من واحد الى ثمانية يختص كل قسم منها بموضوع جزئي وترجع هذه الاقسام الثمانية في جملتها الى محورين كبيرين هما : 
محور "الصوت والصدى" وفيه اقسام :
الأول : صدى انشودة الحياة, الاطفال – وجه المستقبل في امن.
الثاني : صدى انشودة الموت, الاطفال – وجه المستقبل في خطر.
الثالث : الحديد والرصاص تعمل منهما اسلحة الطغاة لبعث الدمار.
الرابع : مآل المستضعفين،الانتصار على الطغاة.
محور "الفعل ورد الفعل" وفيه الاقسام التالية :
الخامس : الحديد والرصاص لجلب الموت أم لجلب الحياة؟.
السادس : الدمار ارادة الطغاة.
السابع : العزم على المقاومة والوعد بانتصار المستضعفين.
الثامن : مآل المستضعفين الانتصار على الطغاة.
 ويقول الباحث : في شعره ليست حيرة التجريب وقلة النضج وإنما هي حيرة شاعر وعى محنة الفن وعيا حادا وادرك ان الابداع أخذ وعطاء وتمثل للتراث واضافة، وتوتر دائم بين الاوضاع المستتبة والمستحدثات،فان خرج – فيما درسناه – عن قوانين الوزن والتصويت التقليدية ذات الايقاع المنمط،فقد عاد اليها من باب التفعيلة،وخلق فيها بمبدأ النواة الايقاعية امكانات في التصويت والترجيع تتنوع مظاهرها الى ما لا نهاية له،انه ما ترك مصدرا للصوت إلا استلهمه فاجتمعت في نصه الاصوات الطبيعية والاصوات اللغوية والاصوات الفنية وتفاعلت،كما رأى ان صدى الصوت،صدى على الحقيقة وصوت على المجاز في معنى الشعار او القضية او الموقف كما دل بها على ان قصيدته انشودة بحق،وان مصطلح الانشودة قد يكون انسب لمثل نصه من مصطلح القصيدة. 
 أربعة بحوث تمحورت حول السياب، ثقافة وريادة وانجازا فنيا عاليا،وكانت بحق افضل ما يمكن التذكير به ضمن فضاء المربد الشعري في دورته لهذا العام (1989)بذكرى مرور ربع قرن على وفاته.                                                                         
    
* تقرير صحافي عن الندوة نشر في مجلة "اليوم السابع" -العدد السادس والثلاثون في 15 كانون الثاني 1990


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM