نقد أدبي  



صورة ما عن جبرا ابراهيم جبرا

تاريخ النشر       27/12/2009 06:00 AM


علي عبد الأمير
 
غالبا ما يذهب القراء الى الكتب التي تعتني برسائل الكتّاب والادباء، ويقبلون عليها لمحاولة التعرف على الجانب الانساني العادي، بل والشخصي احيانا في حياة اولئك الكتّاب، بل تغدو احيانا ميولهم واهتماماتهم وهواياتهم مبعث قراءة "إنسانية " لما كانوا قد سجلوه من آثار كتابية في مدوناتهم الورقية، وقد لا يخرج المبدع الراحل جبرا ابراهيم جبرا عن مثل هذه القاعدة، على الرغم من كون أعماله، الروائية تحديدا، حملت الكثير من التفاصيل القريبة لما هي عنده في الحياة. 
وفي كتاب صدر حديثا، نتعرف على رسائل جبرا ابراهيم جبرا، ولكن تلك التي هي بصدد قضية صغيرة وضيقة ومحددة المجال، فهي رسائله الى ناشره الاستاذ ماهر الكيالي "المؤسسة العربية للدراسات والنشر "، وقد اهتمت بشأن كتبه ومسوّداتها وإعادة طبعها وتصحيحات بروفاتها الى غير ذلك، ومن يعي هذا التحديد سيظل بعيدا عن الاحساس بالصدمة التي ستسببها رسائل جبرا المنشورة في هذا الكتاب، فهو يبدو ملحاحا الى درجة تسبب الضيق، ويبدو نرجسيا في احيان كثيرة، ويتدخل في تفصيلات احرف وعدد الصفحات، ويحفظ أسماء المصححين والسكرتيرات ويذكِر ناشره بالتوقيت المناسب لإنزال أي من كتبه الى الاسواق!

الراحل جبرا ابراهيم جبرا
 
وبما ان كتاب "أرى كتابا جميلا " صدر بعد رحيل مبدعنا جبرا، وكإعتراف من الناشر الاستاذ الكيالي بقيمة جبرا الابداعية وإشارة تحية له، فقد اصبحت "الصدمة" هنا اقل وطأة، فجبرا الذي عرفناه، سيدا في كل ما كتب، وصاحب صياغات كتابية مبرزة وصال وجال في ميادين الرواية، الشعر، النقد والترجمة بخاصة، ظهر في رسائله – المهتمة بشؤون كتبه – بعيدا كل البعد عن عمق تأثيره الذي احدثته كتبه فينا.  
شخصيا وجدت في هذه الرسائل، على الرغم من المستوى الضيق الذي تذهب اليه، وهو مهمة الإيضاح بين الكاتب جبرا والناشر ماهر الكيالي، وجدت فيها نزوعا نفسيا ضيقا لم تخففه طريقة التقديم للكتاب، التي تولاها الدكتور محمد شاهين والشاعر زهير أبو شايب، على الرغم من تلمس ذات الإكتشاف عن شخصية جبرا عبر رسائله، إذ تقول المقدمة التي حملت عنوانا دقيقا للغاية "بريد سطحي": "ترى هل كان جبرا سيوافق على نشر هذه الرسائل بالتحديد لو كان حيا؟ إنني أشك في ذلك، فهذه الرسائل ايضا ليست عادية، بل هي مجرد خطاطات عملية تتعلق بشؤون جبرا الإنسان، لا جبرا الكاتب، ولذا فإن من المفروض ان هذه الخطاطات لا تخص أحدا سوى كاتبها  جبرا ومتلقيها ماهر الكيالي".
أهذا هو جبرا ابراهيم جبرا؟ لا قطعا، فهو ليكاد يتقاطع تماما مع هذا الذي نقرأ تدقيقاته في رسائله الى ناشره ... جبرا هو ذلك العملاق في "السفينة"، "البحث عن وليد مسعود"، وذلك الذي ايقظ في اللغة الشكسبيرية وقعها العربي في ترجمته للمسرحيات التراجيدية الشكسبيرية، هو ذلك الناقد صاحب المنهج الخاص في "الحرية والطوفان" و "النار والجوهر"، كذلك تجربته في الشعر والفن التشكيلي وصاحب الذائق الموسيقية العالية.
 
 "أرى كتابا جميلا"- المؤسسة العربية للدراسات والنشر  1996
والمقالة نشرت في مجلة "مشارف" الفلسطينية


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM