الرواية ترسم المسار الشخصي والموضوعي للصحافي (حسين القاسمي ) بدءا من مشهد وقوفه الطويل منتظرا في غرفة مديرة مكتب رئيس التحرير ، حاملا القصص والتقارير الإخبارية الواردة للقسم السياسي كي يعرضها على ( ناجح المديني ) الرجل المدلل للسلطة في مؤسستها الإعلامية .
عبر ذلك المشهد نجح المؤلف في رسم ملامح لحياة اقرب للكابوس ، و بث في سطوره ايقاعا مريبا لتلك الحياة : عطر مثير في الغرفة وجاكيت الموظفة الشبقة على مسند الكرسي الفارغ ، وباب غرفة رئيس التحرير المغلق وصوت ضحكات اقرب للهمهمات المبحوحة ، مكان ينفتح على الوان وعطور فاقعة ، غير ان ذلك لم يبعد عنه الإيقاع المريب الذي ينفتح على آخره حين يندفع رئيس التحرير المديني بموجة اخرى من الغضب نحو القاسمي معلقا على صوغ خبر عن لبنان : "الم نقل مئات المرات ، يجب عدم استخدام عبارتي حزب الله وحركة امل عند ورودها في الأخبار عن لبنان ، اليست لدينا توجيهات بان نستبدل اسماء عملاء ايران هؤلاء كما نفعل مع اسرائيل فنجعلها الكيان الصهيوني ".
القاسمي من جهته يدافع عن صوغ الخبر ، وله في الجانب المهني ذريعة مناسبة ، الا انه يواجه بعبارة نهائية لاترد من المديني :" اعد صياغة الخبر تماما وفق تأشيري ، واضف الى الخبر فقرة ان الأثنين ( حزب الله وحركة امل ) يعملان على تدمير لبنان وتسهيل احتلاله من قبل الإيرانيين ".
باب رئيس التحرير يفتح مرة اخرى ، وخطوات مرتبكة لمدير التحرير تكشف عن فصل آخر من فصول الخراب في الإعلام العراقي حين لم يلتزم ولي الدين بنص تعليمات الوزير حول ذكرى معاهدة كامب ديفيد وهو يكتب الإفتتاحية : " ما دامت هي تعليمات السيد الوزير فلماذا لم تلتزم بها يا حمار "، والخراب ليس في هذا التعليق " الودي " الذي نزل على مدير التحرير وانما في معلومة تالية ، هي ان ولي الدين لم يكتب الإفتتاحية ، بل هو مجرد كاتب طباعة بالأصل وتمت ترقيته لأسباب أمنية !
الجو الكابوسي هذا ومقترباته الكثيرة ، رسمه الكاتب النصراوي في تفاصيل دقيقة ، جاءت على الأغلب من تجربة شخصية في الصحافة العراقية" بغداد اوبزرفر" والأجنبية ( مراسل لوكالة اسوشيتيد برس) تواصلت منذ منتصف سبعينات القرن الماضي حتى اواخر آذار ( مارس ) 1991 حين كادت رأسه تطير بعد كتابته قصة اخبارية لوكالته الأجنبية ، وصف فيها مدينة كربلاء الشيعية التي احكم الحرس الجمهوري السيطرة عليها اثر قمعه انتفاضة اهلها ، بانها مدينة خراب واشباح اشبه ببرلين بعد دخول الحلفاء اليها.
التلاقي بين مسار احداث الرواية والجانب الشخصي في حياة المؤلف ، وجد مبرره في الصفحة الأولى حين وضع النصراوي عبارة برنارد شو : " من يكتب عن نفسه ، وعن عصره ، انما يكتب عن كل الناس ، وعن كل العصور". هكذا امكن ايجاد تطابق واقعي لابين حسين القاسمي والمؤلف النصراوي ، بل ان ناجح المديني ، هو ناجي الحديثي ، رئيس تحرير " بغداد اوبزرفر" سابقا ووزير الخارجية الآن ، والذي معلوم انه اجتهد في اخفاء مشاعره حين استدعته السلطات لتخبره باعدام واحد من شقيقيه المسجونين بتهمة " الخائن " وتطلب منه دفنه بهدوء . في الرواية نجد المديني يبوح بالأمر لعشيقته ( مديرة مكتبه ) "انه اخي احمد كنت اعتقد ان سجنه كان عقابا كافيا لجريمة لم يرتكبها ولكنهم لم يكتفوا بذلك وابلغوني انهم اعدموه بعد ان ظهرت ادلة جديدة تدينه . الكلاب كنت اظن ان خدمتي وولائي سيشفعان له ولشاكر وسيمضيان فترة السجن ويطلق سراحهما بعد ذلك .والآن عليّ ان استلم جثته صباح الغد وادفنها في السر مثل زانية توئد نغلها".
المديني بعد نوبة غضبه قرر ان يستدرك امره ليخبر عشيقته " المهم ان احتفظ انا بنقائي واخلاصي للحزب والقيادة "، بعد ان توقع ان تكون الأجهزة وضعت له فخا في بيت عشيقته ( تخون زوجها الضابط بعد ان اقعدته الحرب عاجزا) !
يرأف الكاتب النصراوي بقارئه من هذا الإيقاع الكابوسي ، حين يبرع في رسم ملامح تلك العلاقة العاطفية المبددة بين القاسمي وزميلته في الجامعة سابقا وفي العمل حاليا ، العلاقة التي خفتت بعد ان وضعت جمل مريبة كانت تسمعها خديجة من اهلها حدا لحماستها عن حسين القاسمي وقوة افكاره وشخصيته في الجامعة ، بعد ان كانت تخبرهم بما تكتشفه في زميلها . المصير الذي انتهت اليه خديجة ( قمعت حبها وتزوجت مبكرا ) لم يمنع من ان تندفع في توجيه نقد عنيف للقاسمي تحت ذريعة ان مواقفه المتصلبة ستذهب به تحت سنابك خيول السلطة التي لاترحم ، وبدا ان الحق الذي منحته خديجة في لوم القاسمي، كان نار حب ، ايقظ جذوتها القاسمي ، حين بدا لها كما عرفته صادقا متوحدا مع فكره ، مؤمنا بقيم الخير والعدل والجمال.
وفي الوقت الذي بدت فيه الشخصيات الرجالية في " حافات الأمل " متوترة تنوء تحت اعباء قلق وتشتت وانفصام ، وان كانت اعباء متباينة في القيمة الأخلاقية والفكرية ، الا ان الشخصيات النسائية جاءت منسجمة حتى في خياراتها الحياتية المريرة : زوجة ولي الدين حين تتحول مخبرة وتدفع ابنتها الجامعية بهدوء ورشاقة الى معاشرة المسؤولين ضمانا لنفوذ و مال ، ومديرة مكتب رئيس التحرير ، لقاء شبلاوي ، صاحبة الذوق المتدني في الثياب والعطور ، لكنها المنسجمة مع نداءات الانتقام في داخلها ، فزوجها الضابط ، ارادته رمزا للسلطة الصاعدة ، لكنه اصبح مقعدا مشلولا ، فلا بد من رمز تسعى اليه حتى وان كان الطريق يعني جسدها ، تقابلهما خديجة المأسورة بالقيمة الفكرية العليا للإنسان لجهة وفائها وان كان ذلك يتم باشارات سرية ، لعلاقتها مع القاسمي.