من بارود (شرق البصرة) الى عطر شيراتونها....

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       17/09/2013 06:00 AM


كنت اشبه بالمجنون، بل كنته حقا، في سخريتي من موت كثير عشته في الحرب العراقية الايرانية. وبلغت تلك السخرية حدا انني كنت أناكف الموت في الهروب الى اقصى الحياة ولذتها.
كنت اهرب من جبهة "شرق البصرة" الى بيت عمتي في التنومة، واقضي مع مباهج صغيرة كالاستحمام ومتابعة التلفزيون، وتناول طعام بنكهة البيوت، اوقاتا هانئة ليس اقلها ذلك السحر حين الاقي ابن عمتي استاذ اللغة العربية المتدفق فرحا وبهجة في اعسر الاوقات.
ولم يعد ذاك على اهميته يسحرني، فثمة بناء جميل كان يسحرني أكثر، اسمه شيراتون البصرة، حد انني قررت ذات يوم ان اضع حدا لطلسم الاسرار الذي عناه ذلك البناء، ومن تراب جبهة شرق البصرة، الى غرفة انيقة فيه مطلة على شط العرب، كل علامة في المكان توحي بالترف، كل نغمة موسيقى، كل اشارة غامضة كالذي يعنيه انني هارب من خندق في الحرب الى غرفة في الشيراتون... وكم افادتني هوية نقابة الاطباء، في التسلل من حواجز الحروب وموانعها، فحجزت عبرها، ليلة، هي لم تكن غير خمس ساعات من الثانية بعد الظهر حتى السابعة مساء. لكنها خمس ساعات في جنة حقيقية، هواء بارد منعش، ووجبة طعام على ايقاع موسيقي خفيف، ثم تسوق بعض "النمنات" من عطر وشيكولا لاسيما ان البائعة سيدة لا ترد في طريقتها بالترويج لبضاعتها، وخصوصا حين تصر على ان عطر "باكورابان" الجديد حينها(1984) سيعجبني كثيرا.

من معالم اناقة "شيراتون البصرة" ايام عزه في ثمانينات القرن الماضي

في السابعة مساء اليوم ذاته عدت الى خندقي في جبهة شرق البصرة، لكن نسيما معطرا لبضع ساعات في فندق كان اقرب للمكان السحري، هو ما حملني الى لحظة كانت حقا خارج اي تصور واقعي.


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM