نقد أدبي  



2000: صلاح ستيتية في بغداد وجبار ياسين يعاتبه في رسالة

تاريخ النشر       25/09/2014 06:00 AM


بغداد، باريس -"الحياة"*
أنهى الشاعر اللبناني / الفرنسي صلاح ستيتية زيارة للعراق استغرقت أسبوعاً اشترك خلالها في أعمال "الأسبوع الأدبي الفرنسي / العراقي" الذي أقامه المركز الثقافي الفرنسي في بغداد للفترة من 2 – 7 كانون الأول (ديسمبر) الجاري.
عن زيارته تلك قال ستيتية لصحيفة عراقية: "سبق لي أن زرت العراق ثلاث مرات وكانت الزيارة الأولى في "مؤتمر الكندي" الذي أقيم في بغداد في الستينات. وزرتها أيضاً عام 1975 كما كنت في الثمانينات مع مجموعة من أصدقائي الشعراء في مهرجان المربد والآن جئت للمشاركة في الأسبوع الثقافي الأدبي الفرنسي/ العراقي بمحاضرة "الكلمة المتطرفة علم وشعر" مع قراءة للمقدمة التي كتبتها لـ "قصيدة جيكور" وهي كان كتبها بدر شاكر السياب, وشاركت في الطاولة المستديرة التي جمعتني الى شعراء وكتّاب عراقيين وبحثت "الحياة الأدبية في فرنسا والعراق", اضافة الى أنني سأقوم باختيار مجموعة من الشعر العراقي لتكون (أنطولوجيا الشعر العراقي) وأترجمها الى الفرنسية.
 
الشاعر صلاح ستيتية

ورداً على سؤال "ماذا تقول أخيراً للشعب العراقي المحاصر؟" قال ستيتية لصحيفة "الثورة" الناطقة بلسان حزب البعث الحاكم: "أقول له أنك أعطيتنا درساً في الصبر والإصرار على المباديء ومواجهة الأعداء وأنا متضامن معه وجلبت معي ورقة أسميتها "دمعة" أعبر فيها عن منطلق فرنسي مع أصدقائي الذين جاءوا معي للتضامن التام مع الشعب العراقي ضد الحصار المجنون والمسؤولة عنه الولايات المتحدة الأميركية بالدرجة الأساس وهذه الدولة التي تعطي دراسات أخلاقية للعالم نراها تقدم مهزلة يومية يضحك عليها العالم لما تقدمه الآن من التعامل بخفية مع القيم والمباديء".

أفكر بطريقة عربية وأكتب باللغة الفرنسية
وأضاف ستيتية الذي يصف نفسه قائلاً" "أفكر بطريقة عربية وأكتب باللغة الفرنسية": "عن طريق اتصالاتي الأدبية والسياسية أسعى بصورة ملحة الى رجوع أوروبا على الأقل الى تاريخها الأخلاقي والمعنوي وان ترفع عن العراق هذا السجن المادي والمعنوي الذي لا يليق بحضارة الدول الأوروبية والذي يؤثر في النهاية على الشعب العراقي الصابر".
جبارياسين: رسالة عتاب
وكان الكاتب العراقي المقيم في فرنسا جبار ياسين أرسل الى ستيتية رسالة عاتبه فيها على سفره الى العراق وجاء فيها: "تلقيت بحزن وأسى بالغ نبأ سفرك الى بغداد, للمشاركة في معرض الكتاب الذي تنظمه الجهات الرسمية هناك بمشاركة فرنسية, الأنكى أن هذا السفر لا يتم ضمن حملة التضامن مع العراقيين كطائرة من أجل العراق أو أدوية من أجل العراق أو كتب من أجل العراق بل ضمن وفد فرنسي "المركز الإقليمي للأدب في مقاطعة لوندوك روسيون" جنوب فرنسا, أما ثالثة الأثافي فهي ان مشاركتك تتم بدعوة من شعبة المصالح الفرنسية في بغداد.
لا أشك في أنك قلّبت فكرة هذه المشاركة في رأسك كثيراً قبل أن توافق عليها, وإذا كانت الجهة التي تشارك في وفدها, وأقصد المركز الأدبي للإقليم المذكور, تدخل ضمن اللعبة الفرنسية, التي لم تكن واضحة القصد والمعالم يوماً, سواء تجاه العراق أو غيره من بلدان عالمنا العربي, لكن هذا أمر فرنسي بحت يوغل في اجتهادات تاريخية واقتصادية وجيوبولوتيكية لا أود الخوض فيها وقد ترتبط بديبلوماسية ما تعبِّر عن "الإنسانوية" الفرنسية التي يسخر منها ادغار موران. لكني لا أدري ان كنت قد التقيت هذه الأيام بالبعض من أصدقائك العراقيين المنفيين في باريس أو لندن أو بيروت أو غيرها من مدن دنيا الله ليحدثوك عن قوائم الشعراء والكتّاب والصحافيين "الخونة والمرتدين" الذين نشرت أسماءهم وهم أكثر من ثلاثمئة من الذين اضطروا على مغادرة وطنهم العراق في السنوات الأخيرة. إذا كانت هذه اللقاءات لم تتم فإني وبواجب من الصداقة والإعجاب بك كشاعر, أخبرك ان هذه القائمة تضاف الى قوائم أخرى نُشرت في السنوات الماضية ضمت أسماء أخرى ترك أصحابها وطنهم في السبعينات والثمانينات ومنعت الرقابة تداول أسمائهم في الصحف والمجلات بل مُنعت المجلات العربية التي تنشر لهم من دخول البلاد, وبقرارات وزارية يعرفها الكثير من العرب مُنعت كتبهم وقيل أنها أحرقت في مهرجانات "كرستالية" نظمتها وزارة ثقافة بلدنا العراق. في هذه القوائم ستجد أسماء الكثير من أصدقائك ومن كتبت عنهم في "أور في الشعر" ومن كتبوا عنك وترجموك الى لغتك الأم!"(...).
أكثر من مرة صرحت, عن صدق عاطفة, انك تحب العراق والعراقيين وتجد فيهم طاقة الفن الخلاقة منذ الأزل ويكفينا فخراً ما كتبته في دراستك "بدر في موته", وأكثر من مرة صرحت – على الأقل في حضورنا نحن العراقيين – بأن من يحكمون بلدنا طغاة وجهلة, وكنت صادقاً حقاً, كالعادة, ولن أنسى ما حكيته لي وأنت تصور ذوق هؤلاء الحكام وبَلادَتهم. ففي زيارتك لبغداد في السبعينات عندما كنت في الخارجية اللبنانية كان من واجباتك الديبلوماسية أن تلتقي رئيس الجمهورية حينذاك,
الجنرال البكر, في القصر الجمهوري, وقد أدهشك حينذاك كثرة العسكر في ذلك القصر والورد البلاستيكي في المزهرية التي على مائدة الضيوف والذي لمسته بيدك لأنك لم تصدق عينيك (...). الى هذه البلاد ذهبت أيها الشاعر الصديق وقد ازدادت فيها بلادة الحكام وطغيانهم وفتكهم بالورد والناس حداً جعل العراقيين لا يروون قصصهم إلا للصديق خوفاً أن يتهموا بالكذب والتهويل. الى هذا الجحيم – الجنة القديمة – ذهبت حيث عطر الجنة القديمة هو رائحة حرب غاز الخردل وحيث البشر مثل مومياءات بلا نظرات (...) وأكداس من الجثث على ضفتي النهرين العظيمين اللذين لم يعودا اليوم أكثر من ساقيتين. الى هذه البلاد ذهبت لترى انكسارات الجحيم والفردوس وانكسارات الحضور والغياب وأنت تتمعن في وجوه القلة للشعراء الباقين في هذه البلاد التي غادرها أهلها؟ (...) أخيراً وفي دهشة لم أعد أفهم فيها سياق الأمور رحت أتساءل ما الذي يدفع شاعراً عربياً عملاقاً يُدعى كل يوم الى بلاد أن يمضي بدعوة من شعبة المصالح الفرنسية الى معرض كتاب في عاصمة عربية؟ الفرانكوفونية وحدها لا تكفي, فكم من شاعر فرنسي رفض دعواتها. ما زلت أتذكر ما قلته ذلك المساء في مجلس الشيوخ الفرنسي في الجلسة التكريمية المخصصة لك قبل أربع سنوات: "أنا صلاح ستيتية, شاعر لبناني, عربي, مسلم, سني, ولا ادري ان كانت واحدة من هذه المفردات تسمح لك بتلبية دعوة شعبة المصالح الفرنسية في بغداد التي ينطبق اسمها على مهمتها!! خصوصاً هذه الأيام التي لا ترى فيها فرنسا من العراق غير العقود التي ستبرم بعد رفع الحصار على شعب أعزل لم ينتخب يوماً حكامه".

* التقرير من جزئين، فالذي يتعلق بتصريحات ستيتية في بغداد كان متابعة لي عن الموضوع اما رسالة جبار ياسين فقد اضافها المحرر الثقافي الشاعر والناقد عبدة وزان كي يتضمن ما يشبه الرد على تلك الزيارة.. التقرير نشر في "الحياة" 9 / 12 / 2000

 

 


 



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM