نقد أدبي  



مهرجان "المربد" في دورته الأخيرة: الشعر العراقي في راهنه الفوضوي

تاريخ النشر       11/12/2014 06:00 AM


بغداد- علي عبد الأمير*
مع ان سقف آمال ثلاث جهات تولت الاسبوع الماضي، تنظيم مهرجان المربد الشعري، كان عاليا، الا ان الحصيلة التي انتهى اليها بدورته الحادية عشرة في مدينة البصرة، كانت على غير ما فاخرت به مبكرا:  وزارة الثقافة، اتحاد الادباء العراقيين، واتحاد ادباء البصرة، بحسب شعراء ونقاد عراقيين شاركوا في المهرجان الذي ظل جزءا من الماكينة الدعائية للنظام العراقي السابق، وفيه كان يحشّد مئات الشعراء والكتاب العرب وبعض الاجانب، أملا في تأييد النخب الثقافية لسياساته وحروبه، وهو ما تواصل على امتداد 18 دورة، كان آخرها العام 2002، قبل ان تبدأ سلسلة جديدة منه بعد العام 2003، انتقلت فيها امسيات المهرجان وحلقاته النقدية الى البصرة، حاضنته المكانية تاريخيا.
وعن ارتباط البصرة بالمهرجان، واحتفاء بمدينة الفراهيدي والسياب، قال وكيل وزارة الثقافة العراقية، طاهر الحمود: "تم ترشيح البصرة لتكون عاصمة للثقافة العربية لعام 2018"، آملا "المصادقة على هذا الترشيح في اجتماع وزراء الثقافة العرب المقرر عقده في المملكة العربية السعودية في شهر كانون الاول المقبل".

من الافتتاح الرسمي لـ"المربد": العسكر بمسدساتهم حضروا ايضا

وعن البنية التحتية اللازمة لجعل المقترح قابلا للتنفيذ، اكد الحمود ان "مسرح البصرة الذي قطعت الشركة المنفذة شوطاً مهماً في بنائه سيكون مرفقاً أساسياً لاحتضان الفعاليات الثقافية، فضلا عن تشييد 5 قصور ثقافية"، مستدركا ان "انشاء البنية التحتية الملائمة في محافظة البصرة كالطرق والجسور والفنادق هي جزء من متطلبات الايفاء بملف اختيار البصرة عاصمة للثقافة العربية".
المتفائل الثاني، وهو "الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق"، ممثلا برئيسه الناقد فاضل ثامر، الذي استند على التاريخ في تأكيد تفائله، "المربد الذي تواصل عبر قرون من الزمن أصبح علامة بارزة في فضاء الثقافة العربية"، برر بطريقة منسجمة مع ثقافة الطائفية الصاعدة في العراق، أن تحمل الدورة الاخيرة للمهرجان، اسم الشاعرة العراقية، لميعة عباس عمارة، فهي بحسب ثامر، "تنتمي الى الديانة المندائية، وبالتالي فإن المهرجان هو احتفاء بالتنوع الثقافي في العراق".
اما المتفائل الثالث، وهو رئيس "اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة" الشاعر كريم جخيور، فقد توقف عند مشاركة "ما لايقل عن 25 شاعراً عربياً حضروا المهرجان من مصر والأردن وسوريا والجزائر وتونس والمغرب والسعودية وقطر والبحرين، فضلاً عن ثلاثة شعراء من إيران"، كأشارة ضامنة لنجاحه.
حديث المتفائلين الثلاثة، هو غير ما يقوله شعراء ونقاد عراقيون، خبروا "المربد" في اطواره العتيقة والجديدة على حد سواء، فالشاعر والناقد كريم شغيدل يقول " لم يعد المربد، مهرجاناً نوعياً كما أريد له في أول دورة العام 1971. وقد تحول إلى منبر دعائي منذ ثمانينيات القرن المنصرم، وبعد سقوط النظام الدكتاتوري ألغي ذلك التاريخ لنبدأ من تاريخ جديد.. وتأملنا خيراً واذا به يتحول إلى مهرجان عام فيه الكثير من الارتجالية والتكرار، تكرار الوجوه، تكرار الموضوعات، تكرار القصائد، والشعراء هم أنفسهم كل يعرف دوره وتسلسله على المنصة".
ويضيف شغيدل في حديث الى "الحياة"، ان " الحلقات النقدية بدأت تفقد أهميتها والدعوات توجه بطريقة غير مدروسة، وهناك دائماً شبهات فساد. ليس ثمة احتفاء فني أو معرفي بالشعر. هناك ميل للقصائد المنبرية. وهناك انتقائية في الدعوات والمشاركات سواء على مستوى الداخل أم الخارج.. وهناك تكريس للشعر التقليدي، المربد أصبح مجرد تقليد سنوي تقف في مقدمته، ذات الوجوه التي تقطن اتحاد الأدباء على مدار السنة".
شعراء "فايسبوك"!
ومن العراقيين المشاركين، الشاعر صلاح حسن، الذي يقول ردا على سؤال "الحياة" عن اي قيمة فنية يراها في الدورة الاحدث، طالما انه ممن شاركوا في دورات سابقة: "لم تكن هناك اية قيمة فنية للمهرجان برمته، خصوصا وان الشعراء المشاركين من العرب كانوا من اصدقاء "الفيس بوك" ولم يسمع بهم احد، واكثرهم ممن يكتبون الشعر العمودي، او الخواطر فيما يتعلق بالنساء البدينات او المحجبات على السواء، حتى ان الشعراء العراقيين المعروفين لم يقدموا ما كان يتوقع منهم. كان المهرجان في نسخته الاخيرة رمزا للفوضى بكل تجلياتها لان التنظيم قد غاب بشكل كلي. من المؤسف ان المهرجان يتراجع باستمرار ".

لولا صلاح فضل!
وحول "مالذي يعنيه وجود كل هذه الاعداد من المشتغلين بحقول لا علاقة لها بالشعر او نقده ولا بالحقول الثقافية المتصلة به" في قائمة المدعوين للمهرجان، يوضح صاحب ديوان "اخرج ببوصلة عاطلة": "هذا شيء اصبح عاديا، ليس في المجال الثقافي بل في المجالات كافة لكنه في "المربد" يكتسب طابعا خاصا لان الكثير من الطارئات والطارئين كانوا حاضرين بقوة وكأن هناك توجيها بذلك لاهانة الثقافة والمثقفين العراقيين. كان الامر بالنسبة لي اشبه بالكابوس: مثقفون ومثقفات اصطحبوا رجالهم ونساءهم الى المهرجان وكأنه احتفال عائلي وشارك الجميع في الحفلة التنكرية هذه. ولو لم ليحضر الناقد المصري صلاح فضل الى المهرجان لقيل عن الجلسات النقدية انها جلسات هذيانية".
ومع ان المهرجان كان فرصة لشعراء ومثقفين عراقيين ان يقضوا ساعات هناء نادرة في البصرة، وتحديدا على كورنيشها حيث تمثال صاحب "انشودة المطر"، او جنته الريفية في بساتين النخيل القريبة من شط العرب، الا انه لم يقدم بحسب ممن شاركوا فيه، "تجارب جديدة، الا القليل الذي يشي بمواهب مستقبلية"، فالناقد الشاب، علي كاظم داود الذي شارك بورقة نقدية، كتب أن "تسمع بمهرجان المربد، خير من أن تشارك فيه!"، موضحا في كلمة له نشره على موقعه في "فايسبوك": "كانت هذه مشاركتي الأولى في مهرجان المربد، عدت منها بانطباع سيئ جداً عنه، وعن إدارة اتحاد الأدباء في البصرة".
واستدرك داود، "من محاسن المهرجان لقاء الأصدقاء المشاركين والحصول على اصداراتهم، والاستماع لبعض النصوص والافكار التي يمكن التقاطها في زحمة وضجيج الجلسات الماراثونية. لكن بالمقابل ثمة سوء تنظيم مريع أسقط المهرجان بالضربة القاضية، وعدم اهتمام واضح من ابرز وجوه اللجنة المنظمة بالكثير من المدعوين، وكأنهم يقولون: لقد تفضلنا عليكم بدعوتكم للمهرجان، فعليكم أن تقبلوا بأي شيء".

"مهرجانكم الفوضوي"
ويوضح الناقد الشاب الذي فاز باكثر من جائزة في محافل ثقافية عربية، "قد يقولون إن التخصيصات المالية لا تكفي، وهي السبب في خلل المهرجان، وهذا مردود كونهم غير ملزمين بدعوة هذا العدد الكبير من الادباء العرب والعراقيين، لكن يبدو أن البعض لا يفهم لغة الكم والنوع"، منتهيا الى القول "نحن لسنا بحاجة لمهرجانكم الفوضوي هذا، ولن يسعدنا المشاركة فيه مرة أخرى".

* نشرت في "الحياة" 30 تشرين الاول 2014


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM