هذا التاريخ ليس معروفا على نحو واسع، ونادرا ما يناقش في الأوساط الأكاديمية ويأتي بمثابة مفاجأة للكثيرين عن كيفية تدخل بريطانيا في الشؤون الإسلامية عبر نهج بحث رصين وكتابة تحترم العقل.
في كتاب المؤرخ مارك كيرتس، هناك الكثير من الحقائق المذهلة، فقد سمح وعلى امتداد سنوات، لجماعات اسلامية عنيفة للاستقرار في بريطانيا واستخدام البلاد كقاعدة لشن هجمات في الخارج.
في عام 2004، سمعت MI 5 (المخابرات البريطانية) منفذي تفجيرات لندن وهم يتحدثون عن "النشاط الجهادي في باكستان والدعم لحركة طالبان، ولأنهم لم يتحدثون عن هجمات ارهابية في بريطانيا، تركتهم لوحدهم".
ان الكاتب يرى في بريطانيا، "سياقا تتبعه كل من المملكة العربية السعودية وباكستان، يحاول الحصول الإرهابيين لمهاجمة أهداف في خارج البلدين". وينبع ذلك من الاعتقاد بأنهم لن يضربوا البلاد التي يعيشون فيها، وأنه طالما هم هنا، فأن جهاز الأمن يكون قادرا على التسلل بينهم. في نفس الوقت تم غض النظر على الترهيب الذي يمارسه الأصوليون في جوامع لندن، فالشرطة وغيرها من مؤسسات السلطة البريطانية رفضت مناشدات من المسلمين المعتدلين بحجة أنها لا تريد التدخل. "
ويؤكد كيرتس "لندن في 1990 كانت واحدة من المراكز الرئيسية في العالم للجماعات الإسلامية المتطرفة المسؤولة عن تنظيم الإرهاب في الخارج" (صفحة 256).
وحيال سؤال جدي: لماذا سمحت السلطات البريطانية باقامة "Londonstan" ؟ يعبّر كورتيس عن رأي مفاده أن تمكين أجهزة الاستخبارات لمراقبة واختراق الجماعات الإسلامية ربما كان وسيلة لإقامة علاقات "مع قادة محتملين في المستقبل"، وهو ما يساعد على إعطاء البريطانيين "النفوذ" "على السياسة الداخلية للدول العربية وغيرها. ويعبر المؤلف عن ذلك بفجاجة اكبر "ميزة رئيسية أخرى في استضافة الجماعات الإسلامية الراديكالية في لندن، هو كونها مرتبطة بشكل وثيق جدا مع السياسة الأساسية والخارجية البريطانية الحالية التي تهدف لتعزيز الانقسام الدولي"(صفحة 265).
وبحسب المؤلف، كانت لندن قاعدة للعديد من الجماعات الجهادية بما فيها المجموعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، حركة الجهاد الإسلامي المصرية، و"القاعدة" التي انتجت أسامة بن لادن. وبعد 9/11، اعتبر قانون الإرهاب ان إرسال شخص ما الى الخارج لتدريب الإرهابيين، هو جريمة، ولكن المتشدد أبو حمزة المقيم في بريطانيا، الذي فعل ذلك لسنوات، لم يمسه احد".
ويرى كيرتس ان الدور الذي لعبه المسؤولون عن نمو الإرهاب في بريطانيا، هو شأن صغير بالمقارنة مع مسؤوليتهم عن رعاية المتطرفين وتعزيز دورهم في دول عدة خارجها، لأسباب سياسية حقيقية في كثير من الأحيان، حتى وإن عرفوا بالتكلفة الرهيبة لسكان تلك البلدان جراء ارهاب بمنشأ بريطاني".
في كتابه عن "تواطؤ بريطانيا مع الإسلام الراديكالي"، يشير المؤلف إلى كيفية استخدام الجماعات الاسلامية الرجعية والعنيفة ضد القوميين العلمانيين خلال فترة الاستعمار البريطاني واستمر بعد ذلك "دعما لمصالح المملكة المتحدة والغرب بعامة".
كورتيس يظهر أن اثنين من القادة الإسلاميين الأكثر نشاطا تنفيذ هجمات في أفغانستان: قلب الدين حكمتيار وجلال الدين حقاني، كانا على اتصالات وثيقة خاصة مع المملكة المتحدة في الماضي. التقى حكمتيار مارغريت تاتشر في لندن عندما كان وجهة مفضلة لـMI6 ووكالة الاستخبارات المركزية في الحرب ضد الروس، بينما حقاني الذي يدير شبكة الاتصال الخاصة به بالتوازي مع طالبان، وكان ينظر إليه على أنه أداة مفيدة للغاية في هذا الصراع.
ويثبت الكتاب "استخدام الإسلام من قبل الغرب في زمن الحرب الباردة، على وجه الخصوص لزعزعة الاستقرار في البلدان التي اعتمدت سياسات يسارية اعتبرت خطرا على النفوذ والمصالح الغربية"، وفي رحلة تاريخية مفصلة وموثقة، يثبت مارك كورتيس، "تورط بريطانيا في تشجيع الأفراد والدول الإسلامية كأدوات لطموحات استعمارية خاصة بها، فقد دعمت الدولة البريطانية المتطرفين الإسلاميين في السعودية والباكستانية، والإخوان المسلمين والمجاهدين"، مؤكدا "الدولة البريطانية تدعم هؤلاء الإسلاميين ضد الديمقراطيين والقوميين والعلمانيين ومؤيدي حقوق المرأة، كمقاتلين بالوكالة ضد القومية العلمانية والاشتراكية".
ويخلص المؤلف الى انه "يجري الآن دفع ثمن هذا: الدعم السري من بريطانيا والولايات المتحدة للجماعات الاسلامية على حساب الجماعات والقوى والاحزاب العلمانية والمسلمين المعتدلين، ثم توجيه هذه الجماعات الى تشكيل مجموعات إرهابية سيكون الغرب في وقت لاحق وقد وجد نفسه في مواجهتها".