نقد أدبي  



فوزي كريم: المتمرد الحزين

تاريخ النشر       26/12/2014 06:00 AM


علي عبد الأمير
لم تثر تجربة شعرية عراقية، لبساً في تلقيها وصوتها الخاص، مثل الذي أثارته تجربة الشاعر فوزي كريم، فهي تجربة الشاعر الوحيد، يوم كانت القصيدة "إنتظاماً جماعياً" وهي تجربة الشاعر المرتاب فيما كان الحديث ضجيجاً حول "يقين انتصار الشعب في تحولات الوطن الثورية" في السبعينيات.

ملف خاص عن الشاعر فوزي كريم في مجلة "المسلة"

هي تجربة الشاعر الذي تحول من التأمل في مشهد الذات والعالم في مجموعته "حين تبدأ الأشياء" الى إعلاء صوت الرفض لمسارات الزيف ومحاولات إلغاء الوجود الإنساني الحي في "أرفع يدي احتجاجاً" لكن فوزي كريم ظل برغم شيوع "صوت الرفض" في الأدب العربي المكتوب ما بعد 5 حزيران 1967، صوتاً شعرياً على حدة، أبلغ معنى "إحتجاجه" وحيداً.
وفيما بدا في المشهد العراقي سياسياً وثقافياً ان الجميع منتصرون، إرتضى كريم ان يكون الخاسر "الوحيد"، و"الضعيف" فيما الحشد يتدافع فيه "الأقوياء" فراح يصوغ نشيد وحدته، حتى ان تمرده بدا ممزوجاً بحال من الحزن، التمرد على قوى الحكم وهي تؤسس نهج إلغاء الذاكرة العراقية في المكان والمعرفة والمجتمع، والحزن أيضاً على مشهد كان يمضي الى الخراب برضى تام، الناس يهتفون و "الحلفاء" الذين مهّدوا لقوى الطغيان السيطرة على روح البلاد ينسحبون مولِّين أدبارهم بعد فوات الأوان.
إنه "المتمرد الحزين" بإمتياز في مشهد شعري عراقي توزّع بحسب الأمكنة / المواقف، فثمة شعراء في داخل البلاد كانوا من جوقة المرتلين في "قدّاس شيطاني"، شعراء إضفاء العبقرية على موت البلاد وتهشيم انسانها، وشعراء في خارج البلاد بالكاد كانت تصل قصائدهم كالشهقات لمن أصيب بنوبة ضيق حاد في التنفس داخل البلاد.
"المسلة" توقفت هنا في (ملف خاص) عند فوزي كريم، الشاعر والرؤى والموقف، موجهة اليه تحية يستحقها، ولافتة الى نهج ستعمل على تأكيده، نهج التوثيق الإبداعي لعراقيين ما إنفكوا لبناء لحظتهم الحرجة والقلقة، لحظة وطنهم المثخن الجراح والمؤجل فجره.
ثمة حوار مع فوزي كريم، وثمة "بورتريت" عن روحه وعن قصيدته، كتبها الشاعر الكبير سعدي يوسف، تضمنته "الأعمال الشعرية" لفوزي والصادرة حديثاً عن دار "المدى" وثمة مقالات عن كتابه اللافت "ثياب الإمبراطور"، وآخر يراجع كتابه "مدينة النحاس" بوصفه مؤشراً على نشاط كتابي هو الكتابة النثرية، يتمتع به فوزي كريم، مثلما هناك قصيدة للشاعر خزعل الماجدي كانت صاغت فوزي كريم فكرة وعلامة وأثراً في المشهد الثقافي العراقي.


* افتتاحية عدد مجلة "المسلة" 2001 التي كتبتها احتفاء بالشاعر فوزي كريم.



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM