مقالات  



طارق عزيز: ابن القسوة وضحيتها

تاريخ النشر       05/06/2015 06:00 AM


علي عبد الأمير

طارق عزيز، مدرس اللغة الانجليزية، وأبن القرية المسيحية شمال العراق المولود فيها العام 1936، والبعثي الذي وجد في صدام حسين مثالا، انتهى ميتا في سجن بالناصرية جنوب البلاد، في لحظة قاسية اخرى ليست الاولى في حياته السياسية والانسانية العاصفة، فهو الذي كان شاهدا في العام 1979 على قرار رئيسه باعدام نصف قيادات "البعث" ممن اتهموا بتدبير "مؤامرة" كانت تستهدف منع صدام حسين الاستيلاء على السلطة بعد ابعاد الرئيس احمد حسن البكر، وهو الذي واجه خيارا صعبا حين رفض في قرارة نفسه غزو صدام للكويت، لكنه تماشى مع "الامر الواقع" ليصبح "رجل المهمات الصعبة" قبيل اندلاع "عاصفة الصحراء" 1991 واثنائها.


 
اللحظة القاسية التي كانت ما قبل الاخيرة في سجل انساني ومهني حافل بالقسوة والخطورة، يواجهها نائب رئيس الوزراء العراقي الاسبق والدبلوماسي البارع، والصحافي المتمرس والمتحدث بلسان انجليزي طليق بعد صدور قرار اعدامه 2011 من "المحكمة العراقية العليا"، مثلما واجه من قبل فترة عصيبة حين كان يحرص على حضور اجتماعات مجلس الوزراء برئاسة صدام حسين فيما كان نجله زياد قد اعتقل بأمر من الرئيس ودون ان تصدر عنه حتى ولو اشارة استعطاف او رجاء واحدة كانت كفيلة باطلاق سراح نجله.
هو الدبلوماسي الذي راكم سيرة مهنية بجهد شخصي محض، مثلما هو الشخصية الصحافية البارزة فقد كان احد كوادر "البعث" الاعلامية وتولى رئاسة تحرير جريدة "الثورة" الناطقة بلسان الحزب بعد انقلاب 17تموز 1968، ثم تولى منصب وزير الإعلام في عهد الرئيس الراحل احمد حسن البكر. هو من كان ينقل رسائل صدام حسين الشخصية والسرية للغاية في مهمات صعبة، ولكن بديبلوماسية عالية، حتى وان كانت تلك الرسائل تأتي في اوقات عصيبة. وهو الذي كان يتحدث الى الصحافيين ووسائل الاعلام بوضوح وابلاغ وهدوء حتى في لحظات مخيفة حقا مثل تلك التي كاد يموت فيها حين سقط صاروخ على مبنى كان يستخدمه في المجمع الرئاسي اثناء عملية "ثعلب الصحراء" شتاء العام 1998. وعن هذه " الدبلوماسية" و"الحصافة" في التعبير حتى مع الاعداء، اكسبتاه وصفا دقيقا فسمي "الوجه الحضاري" لنظام صدام حسين، حتى وان ذلك النظام صارم القسمات ومتجهم السياسات، ومبتذل الالفاظ احيانا كما في حال "تلميذه" في الدبلوماسية والاعلام محمد سعيد الصحاف.
غير ان الغريب و"الغامض" هو ان عزيز سلّم نفسه للاميركيين بعيد ايام من دخولهم بغداد، حتى وان رجّح كثيرون ان يكون الامر ضمن صفقة "انتحر" فيها الرجل مقابل ان يضمن له الغزاة سلامة عائلته وخروج أفرادها بأمان من البلاد، وهو ما تم لاحقا، او انه كان على يقين من انه لم يرتكب جريمة ما وهو مايضمن له براءته اذا ما كانت هناك محمكة اميركية يعرف انها ستكون "عادلة" اذا ما قورنت بمحكمة عراقية كالتي كانت تشبه الموجودة في نظامه وشعارها الفتك وبلا رحمة بالخصوم.
وكان غريبا عليه ايضا، وهو المعروف بعدائه للسياسات الاميركية والغربية عموما حيال بلاده والقضايا العربية بعامة، ان يدعو من سجنه الرئيس الاميركي باراك اوباما الى ان "لا يترك العراق للذئاب" متوهما ان واشنطن ستتحرك ضد "الذئاب" رغم ما يفترض معرفته العميقة (انطلاقا من خبرته) بان الذئاب دخلت مدن العراق وريف بعلم منها أو بدونه. 
عزيز "متورط" في اعدام 40 تاجرا عام 1992 وعن تلك التهمة نال سجنا بخمسة عشر عاما ثم "تصفية" الاحزاب الدينية (الحاكمة اليوم) وحكم عنها بالاعدام. انه مشهد عراقي نموذجي: مشهد القسوة وهو يستعيد تفاصيله، ومثلما كان "ابو الدبلوماسية العراقية" شاهدا وقياديا في نظام يفتك بمعارضيه وبلا رحمة، ها هو وجد نفسه اليوم تحت رحمة نظام يأبى الا ان يكون سليل السلوك السياسي العراقي الرهيب في عنفه الذي ما انفك منذ لحظة قتل العائلة الملكية الهاشمية في 14 تموز 1958 وهو يعبر من مرحلة دموية الى اخرى اكثر قسوة وفظاظة.

 



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM