صعب أن تتحدث عن نضال الليثي بوصفه راحلا، بل هو أقرب الى المستحيل، لا عند حبيبتيه: زوجته وأبنته، ولا عند أخوته، وأصدقائه ورفاقه، بل حتى عند من عمل معهم وعرفوه فكرة وسلوكا ومسارا مهنيا وأخلاقيا، انه ببساطة فكرة وثابة كالحياة ونبض متدفق كالغد. الكاتب والصحافي الراحل نضال الليثي حقا كان الليثي، نضالا ضد كل أشكال التعسف والقبح ومن أجل قيم الحق والعدل والجمال، ودأبا من أجل تحقيق الفكرة الإنسانية وإنزالها من برودة عليائها المثالية الى حرارتها الأرضية الواقعية. وعراك على هذا النحو، هو في الحياة وتجديد للنبيل فيها، ودرأ للسوء والإحباط والفشل. ومن هنا فان من الصعب الحديث عن قلوب شجاعة كقلب نضال، وكأنه توقف عن النبض، ورفع علامة الإستسلام. لا أبدا انه قلب الفكرة، قلب الأغنية، قلب الرجاء والأمل، وبالتالي فان صديقنا الوسيم متجدد ابدا ما انفك يحفر بصمته عميقا كأثر يومي في العمل الصحافي والفكري، مثلما ابقى نشيد الحياة فيه كترياق ضد شيخوخة الأمل.  هذا المسار الذي اتحدث عنه بثقة، اختبرته وصار يقينا ثابتا حقا، طوال كل موقف عناه اختبار الحياة بعد إغتيال أخي ونبراسي ومعلمي، قاسم عبد الأمير عجام قبل اكثر من عقد، فهو يحيى معي ضميرا وانشغالا لا يهدأ في الفكر والحياة، وهكذا هي الحال وانا اكتب عن صديقي الليثي واليه، قاسم ونضال وغيرهما من أحرار بلادنا المتعبة، فكرة مشعة متوقدة ومسار جاذب وفاتن لا يعرف الخفوت.  من تتحدث اليه ابنته (شهد)، انطلاقا مما تركه فيها سماع أغنيتين، ومن تكتب اليه زوجته (سناء الطالقاني) نصوص عشق لا ينتهي، ومن يحضر في حوارات أهله وأصدقائه وزملائه، بوصفه فكرة عدل لا يهتز ميزانها، و يستعيده محبون بوصفه دأبا في الحرية والحق، لا يمكن الا ان يكون في موضعه المستحق والصحيح، موضع الحنو على فكرة وطن عادل وكريم والإخلاص لها حد الفناء. أليس هذا أنجاز كبير، أليس هذا عمله الطويل في ورشة الأمل، أليس هذا برهان على ان نضالا هو ذلك القادم من عمق الحياة، وإن طلب الراحة قليلا، فهو الذي يمضي اليها بالأشرعة وليعانق الريح في مشوار آخر ورحلة دأب صادقة أخرى؟ *كلمتي في حفل تأبيني للكاتب والصحافي ومدير تحرير صحيفة "الزمان" نضال الليثي أقامته مجموعة من أصدقاء الفقيد ورفاقه وأصدقائه في لندن 17 آذار 2016.