مقالات  



خالد المعالي أو العراق بوصفه كتابا جميلا

تاريخ النشر       27/07/2016 06:00 AM


كتابة وتصوير: علي عبد الأمير

بالكاد يلتقط الشاعر والناشر العراقي خالد المعالي، انفاسه حين يضمك بشوق، حتى وإن كنت لم تلتقه وجها لوجه منذ سنوات، ذلك ان انهاكه التام هو ما جرّته عليه ورشته الثقافية الابرز عراقيا في مجال النشر، "دار الجمل"، والاكثر جرأة عربيا، لكنه حتى وإن بدا الامر تجوالا لا يهدأ بين معارض الكتب، وتتبع النصوص وتلقي الصدمات اثر كل صدام مع سلطة عربية سياسية كانت ام ثقافية، الا انه لا يتوقف، في درس مطاولة قل نظيره على الدأب والصبر والانجاز ايضا.

ومع ان لا حديث يعلو اليوم في الثقافة العربية، لجهة المهازل التي بات عليه نشر الكتب والمعرفة بشكل عام، اكانت مهازل الناشرين او مهازل الكتاب والادباء ممن يدفعون اموالا طائلة لنشر كتبهم، ويدبجون عروضا "نقدية" ومقالات عن تلك الكتب (كتبهم الشخصية)،  الا ان صاحب "دار الجمل"، لا يجعلك وانت تتحدث معه، الا في مشغل الامل، الا ويأخذك على علو موجة من اليقين، بان العمل الثقافي يثمر حتى في اشد الاوقات ضنكا ويأسا، في حال تم الاخلاص اليه، والايمان التام بقدرته على التغيير والفعل الانساني، لا ضمن رومانسية الفكر المتداولة عن الثقافة، بل عبر عمل مستدام ومنهمك في اتصال مع الواقع، بالتحسب المنطقي تارة، وبالازدراء تارة اخرى، حين تستوجب اللحظة ازدراء موقف ما واهماله.

خالد المعالي في معرض الكتاب بالقاهرة أوائل العام 2003

واذا كان هناك من يقول، ان المعالي ما كان ليستمر، لولا ان عمله الثقافي يدر عليه مالا يجعله واقفا بثقة على ناصية النجاح، وهو في قوله لا يجانب الحقيقة، الا ان تلك الناصية ما جاءت الا حصيلة جد وعمل مضن ومثابر، والعائد المادي هنا لم يأت على طريقة الناشرين- المقاولين، بل هو لفرادة المادة الثقافية واصالتها وجديتها وقدرتها على المنافسة، وبزّ دور نشر سبقت "دار الجمل" بعقود ليست بالقليلة.
هو فخر لمعرفتا الفكرية، لأدبنا، لبحثنا النقدي، ان لا يذكر المعالي، الا بهويته العراقية، شاعرا وصاحب مشروع ثقافي لا يكل عن التجدد والانتماء الى الحرية، منذ مقارعته طغيان البعث وافكاره ومؤسساته التي ما انفكت حاضرة في مشهدنا الثقافي على الرغم من الكلام الكثير عن "التغيير" وحرية البلاد.

تقول له ببهجة ان "دارك عامرة وحاضرة في ابهى المدن والمكتبات"، فيرد عليك: "وبغداد تظل الابهى والعراق يظل الاكثر تدفقا نحو الافكار والمعارف والاداب"، ليفاجئك ان الموصل الاسيرة اليوم، كانت تسابق بغداد في طلب منشورات "الجمل" ونتاجها الزاخر، ويضع بين يديك معلومة قيمة باذخة، تهزّ ما بدا حكما ثابتا عن الاجيال الجديدة في كردستان، بوصفها في حال قطيعة، لاسباب عدة موضوعية وغيرها، مع الثقافة العراقية العربية، ويسرد لك حكايات ومؤشرات عن الاقبال الذي لقيه جناح " الجمل" في معرض اربيل الدولي العاشر، من قراء واصحاب مكتبات كرد، قصدوا عناوين بعينها من اصدارات الدار، ادبا وفكرا وتاريخا وسياسة.

وبشيء من الفخر يقول المعالي "يقرأ الناس في العراق كثيراً. فرواياتنا وكتبنا الواقعية ومجلدات الشعر تباع الآن بشكل جيد. لقد كان هدفنا في البداية تحقيق شئ عملي ضد قرصنة الطباعة لكتبنا. لقد نجحنا في تقديم الكتب المصنوعة جيداً للمتعطشين للقراءة بمبالغ زهيدة، فنحن نقدم الكتب هناك بأسعار مخفضة حتى نسبة خمسين بالمئة".

ويورد المعالي: "لقد تعرضت الكتب التي انشرها للسرقة من قبل دور نشر عربية معروفة، وأخرى تلجأ الى التزوير العادي، وهذا حدث ايضاً في سوريا، مصر، لبنان وفي ايران التي تملك اكبر رصيد من مزوري الكتب العربية والأجنبية ومن كل الأنواع! كما تمت سرقة بعض الكتب من قبل الصحافة اليومية والاسبوعية في الكويت وقطر ومصر.. ولم اجد لدى المطالبة بحقوقي اي صدى حقيقي في المؤسسات الرسمية النقابية والقانونية".

يتحدث بشيء من الاعتداد المستحق بالنفس، حين رفضت السلطات السعودية الرسمية السماح له بالمشاركة في معارض الكتب المقامة على اراضيها منذ العام 2010، ومع انه يقول ساخرا "انا لم اكن ادعو الى الثورة على النظام هناك، انا مجرد ناشر كتب وضعت السعودية على لائحة الرواية العربية وجلبت لهم جائزة البوكر"، الا انه يعرف، ان كتبه تلك خلقت فعليا تيارا ثقافيا في ارض يشعر وعاظها بالهياج الهستيري ازاء "تيار" و"ثقافي".

تسأله: "اما يزال العمل مثيرا؟ وهل تمكن منك التعب؟"، فيجيب "مؤكد انه متعب تماما، الا ان الاثارة هنا، في كونه مثمرا، وان المشروع بلغ نقطة اللاعودة".

وما انفك المعالي، هو ذاته المبهور بالفكرة الطرية المغايرة، فحين يطرح عليه كاتب السطور، فكرة اصدار كتاب يضم مختارات مما تضمنته اعداد مجلة "عيون"، بوصفها وثائق ابداعية على مرحلة اشتباك الثقافة العراقية الحية مع الديكتاتورية، يتحمس للفكرة ويراها جديرة بالتمعن اذا ما صاحبت تلك النصوص دراسة نقدية حصيفة، تكشف عن انساق معرفية في مقارعة الطغيان ونشدان الحرية وكرامة البلاد واهلها.
صحيح ان المعالي في تجربته ناشرا اكد لنا عبر التجربة العملية "الفقر الروحي المروع لعملية النشر في البلاد العربية"، الا انه ايضا اكد صورة ، عبر الدأب والجهد والصبر والاناة والفكر المتجدد والشجاع، صورة تليق بالعراق بوصفه كتابا جميلا.

*نشرت في "الصباح" العراقية نيسان 2015



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM