العريف العثماني أو أبو الحداثة في الموسيقى العراقية (2-2)

تاريخ النشر       28/11/2016 06:00 AM


علي عبد الأمير
تعددت مآثر حنا بطرس بين مؤلفات الموسيقى  نغما وبحثا، فضلا عن تقديم الدرس الأكاديمي لأجيال ضمت اسماء مؤثرة في النغم العراقي المعاصر. ولو راجعنا تلك المآثر لتوقفنا عند:

أولا: الكتب
*"مبادئ الموسيقى النظرية" – بغداد 1931.
*"مجموعة الأناشيد الوطنية" 1945- غير مطبوع.
*"مبادئ النظريات الموسيقية" - بغداد 1945.
*"تاريخ الموسيقى" - بغداد 1952، غير مطبوع.
*"قاموس المفردات الموسيقية" (انجليزي – فرنسي – عربي)، 1956، غير مطبوع.
*"مدوّنات التراتيل الطقسية الكلدانية" 1956، غير مطبوع.
*"الأناشيد الوطنية والقومية"، الذي ضمَّ عدداً كبيراً من الأناشيد التي قام بتلحينها وتقديمها فترة الثلاثينيات – الخمسينيات في القرن الماضي، من بينها "نشيد موطني، وطني انت لي".

ثانياً: المقطوعات الموسيقية
*"الروندو الشرقي"Rondo Oriental للكمان والبيانو، ثم للأوركسترا السمفونية 1936.
*"اللحن العربي" Melodie Arabe  للكمان والبيانو، 1938.
*تأملات موسيقية (للفرقة الهوائية والفرقة السمفونية 1941) في خمس مصنفات.
*مجموعة من القطع الموسيقية المؤلفة خصيصاً لأجواق الموسيقى الهوائية.
*لحنَّ عدداً من التراتيل الكنسية، وخصوصاً لحن بأربعة أصوات (هارموني) لترتيلة "انحدر ملاك من السماء" الخاصة بقيامة المخلص.
ولم يتوقف هذا السجل التربوي- الموسيقي الرائد بوفاة  حنا بطرس 1958، إثر إصابته بجلطة قلبية، عن عمر ناهز الثانية والستين، وليدُفِن في مقبرة الكلدان عند ساحة الطيران ببغداد، بل إمتد ليتواصل عبر جهد أنجاله المنغمسين في الموسيقى، عزفا وبحثا، فهو وبعد ان اقترن سنة 1929 مِن (مريم داود مرتا – من الموصل – وتحمل دبلوم المدرسة الأميركية للبنات في الموصل –  American School for Girlsبتربية الاطفال)، رزقهما الله في بغداد بأربعة أولاد هم: بطرس (1930 توفي في لندن عام 1997) بكالوريوس تجارة واقتصاد، دبلوم موسيقى (عازف ترومبيت) من معهد الفنون الجميلة، صباح (1931، مقيم منذ سنوات في كندا) طبيب إختصاص في الاشعة، دبلوم موسيقى ( عازف كلارنيت) من معهد الفنون الجميلة، بإسم (1934، مقيم في نيوزيلندا منذ عام 2000) دبلوم موسيقى ( عازف تشيللو) من معهد الفنون الجميلة، شهادات عليا فخرية في علوم الموسيقى، سمير (1938، توفي في بغداد عام 1989) خريج الدراسة الاعدادية، دراسة أربع سنوات موسيقى (بيانو) في معهد الفنون الجميلة.

الموصل في عشرينيات القرن الماضي حيث عاش حنا بطرس وترعرع
 
الدرس الموسيقي
ومن الأثر العميق للراحل الباني حنا بطرس، ان أبي الحداثة الغنائية واللحنية العراقية، صالح الكويتي، كان قد روى في إحدى المقابلات القديمة عبر راديو إسرائيل، بانه تعلم "النوتة الموسيقية" على يد حنا بطرس، يوم كان الأخير قائد الفرقة الموسيقية بالجيش.

دور في صناعة الإسطوانات 
في تشرين الثاني من سنة 1931، جاء إلى بغداد فريق عمل فني باستديو تسجيل متنقل في سيارة، من شركة ( His Master’s Voice)، وعمل معهم مهندس الصوت العراقي طالب رفعت. كانت خطة الفريق تسجيل بعض ما يتيسَّر من التراث الموسيقي العراقي، للتلاوات الدينية والمقام والبستة والريف، وبخاصة مقرئ المقامات العراقية آنذاك رشيد القندرجي، بما في ذلك التراث الكنسي العراقي، فكان إتصالهم بحنّا بطرس عن طريق زميله مهندس الصوت طالب رفعت.
واختار الراحل بطرس (1)، لهذا الغرض أربعة أعمال من الترتيل الكنسي الطقسي: أهمها الترتيلة التي تقال في عشيَّة يوم الجمعة العظيمة، الخاصة بالأم المسيح وصلبه ودفنه، التي تعرَف بإسم (قُوم شبّير) باللحن الخاص لهذه المناسبة، وهي تصنَّف في زمننا الحالي من (الموسيقى الفنيًة) ويستغرق أداؤها في العادة ما يقرب من نصف الساعة.
ولكون سعة الوجه الواحد من الإسطوانة القرصية الشمعية هو بحدود دقيقتين ونصف الدقيقة، لذا إقتضى ضغط هذه الترتيلة بالذات، وحصرها بزمن السعة المتاح.
ولانه كان يجري إنشاد التراتيل الدينية في الكنيسة الشرقية بدون مصاحبة موسيقية، وانما يُكتَفى بإستخدام الجلاجل والصنوج حسب التقليد القديم، فقد كان حنا بطرس يطمح الى نمط جديدٍ في تراتيله المختارة للتسجيل. وهو ما تم بعد ان توافر في بغداد الموسيقار الحلبي، سامي الشوا، ووجود كل من نوبار ملخصيان (عازف وأستاذ قانون أرمني من تركيا) وصالح الكويتي (عازف العود والملحن القدير). فكتب لهم المدوَّنة الموسيقية (النوطة) وقاموا بالتدرّب على القطع الاربع، ومن ثم تسجيل كل واحدة منها على وجه من أوجه الاقراص الشمعية.
لم يكن في الإمكان إعادة أو مسح التسجيل في حالة حصول خطأ، تم التسجيل بالكامل بنجاح. وهكذا صارت الاسطوانتان مصدر توثيق غير مسبوق في التراث الكنسي السرياني. وصار استخدامها منهجاً في التعليم.
اللافت في هذا العمل النادر، ان الموسيقيين الثلاثة الذين شاركوا عزفاً بمصاحبة الترتيل كانوا من ثقافات أخرى، لا يمتلكون دراية ومعرفة بالتراتيل المسجلة. لكنهم أجادوا عزفاً وتعبيراً.

في الثناء على الرائد حنا بطرس
ويكتب الموسيقار سالم حسين الأمير(2): "قبل ان أتحدث عن المعهد الأول للموسيقى في العراق، والذي أصبح معهداً كبيراً للفنون الجميلة بجميع اقسامه، أقول كلمة قصيرة بحق هذا الرجل الذي ناضل في سن مبكر لإرساء ووضع أول لبنة ودعامة للموسيقى الحديثة. الأستاذ الكبير حنا بطرس من مواليد العام 1896 في مدينة الموصل، كان أحد أفراد الفرقة العسكرية للموسيقى في الجيش التركي بعد ان تعلم العزف على الات الموسيقى الهوائية التي تستعمل عادة في الجيوش العالمية كافة ومنذ أقدم الحضارات في العالم، وكان الأستاذ حنا بطرس من ضباط الموسيقى العسكرية في الجيش التركي، وقد برع في تعلم العزف وقراءة وكتابة النوطة الموسيقية وأصول تدريسها على يد أحد الموسيقيين الاتراك، حتى وصل الى درجة رئيس عرفاء، ثم انخرط في الجيش العراقي عند تأسيسه وكان من أوائل المساهمين في تأسيس أول فرقة موسيقية عسكرية للجيش العراقي. احتضنته وزارة المعارف العراقية، وكان من المؤسسين لفرقة موسيقية كشفية لـ"دار المعلمين الابتدائية" في بغداد، وقد رغبت هيئة نادي المعلمين في بغداد، جعل جناح خاص في ناديها الواقع في منطقة الوزيرية لتعليم الموسيقى، وكان الأمر مناطاً بإدارة هذا المعهد الصغير للأستاذ حنا بطرس الذي عرف بالجد في جميع أعماله، وبقى هذا المعهد يتنقل من مكان الى مكان آخر حتى استقر به الأمر في منطقة البتاويين، وتكاملت عناصره الفنية من مسرح، عندما وصل الأستاذ حقي الشبلي بعد دراسته في فرنسا، وكذلك الأستاذ فائق حسن من باريس في الرسم، والأستاذ جواد سليم في النحت، فأبدل إسم "المعهد الموسيقي" بـ"معهد الفنون الجميلة"، بإدارة العميد الشريف محي الدين حيدر، والأستاذ حنا بطرس معاوناً للشؤون الادارية".
ويتحدث سالم حسين، بإسهاب عن حنا بطرس وجهوده في رفع مستوى الموسيقى: "ساهم في تدريس الموسيقى والأناشيد في مختلف المدارس العراقية ودار المعلمين الابتدائية في بغداد، ثم تفرغ لتدريس الموسيقى والآلات الموسيقية الهوائية، وتدريس النظريات الموسيقية والصولفيج والأملاء الموسيقي في معهد الفنون الجميلة، ولحّن عددا من الأناشيد الوطنية التي كان يرددها التلاميذ في المدارس والمخيمات الكشفية ومعزوفات موسيقية على آلتي الكمان والبيانو كانت تعزف في الإذاعة العراقية والحفلات العامة، وقد تخرج على يده العديد من الموسيقيين العراقيين".

مصادر:
(1): الموسيقار حنا بطرس، بقلم نجله العازف والباحث بإسم، ضمن ملف اعدّه خصيصا لموقع "بخديدا".
(2):الراحل الأستاذ الكبير حنا بطرس والمعهد الموسيقي الأول في العراق، كلمة وفاء من أحد طلابه: سالم حسين الأمير(عازف القانون والملحن والباحث). موقع الفنون الجميلة




 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM