أمير الصفار: ولد في أميركا لكن الروح العراقية ... هويته

تاريخ النشر       02/02/2017 06:00 AM


علي عبد الأمير

على نقيض تيار واسع يشكله معظم العراقيين المهاجرين إلى أميركا، لجهة تنصلهم من هويتهم الروحية والفكرية ومحاولتهم استعارة ممسوخة لملامح المكان الجديد سياسيا وثقافيا، يأتي عازف السنطور وقبل ذلك الغيتار والبوق، أمير الصفار الذي بدأت علاقته بالموسيقى في ضواحي شيكاغو الأميركية، حين كانت الأنغام تتصاعد عبر إسطوانات والده العراقي، وتضم مختارات من موسيقى الجاز والبلوز.

وحصل الصفار على أول تدريب موسيقي في جوقة لكنيسة لوثرية، لتواصل والدته الأميركية تعليمه أداء الأغاني الشعبية الأميركية والعزف على الغيتار عندما كان في التاسعة، ثم وجد نفسه أخيرا عازفا على البوق، وحصل على درجة البكالوريوس في العزف على هذه الآلة من "جامعة دي بول"، ليبرع الصفار لاحقا في أداء موسيقى الجاز والبلوز والريذم والبلوز على إمتداد منطقة شيكاغو، ثم يصبح عضوا في أوركسترا شيكاغو السيمفوني لنحو عامين وعمل فيها مع قادة بارزين مثل بيار بوليه، دانيال بارنبويم، ومستيسلاف روستروبوفيتش.

الصفار واصل نجاحاته بعد إنتقاله الى نيويورك في العام 2000، الا انه ظل يفتقد الهوية الثقافية عندما وجد نفسه قريبا من موسيقيين يعملون على دمج الموسيقى مع خلفياتهم الثقافية في سياق موسيقى الجاز. وهنا كان أمير الصفار وهو الذي لم يكن عرف بلاده الأولى من قبل، يواجه سؤالا: أي موسيقى يمكن أن تكون ممثلة للثقافة العراقية؟

وبعد ان فاز بمسابقة دولية لموسيقى الجاز العام 2002، إستخدم الصفار قيمة الجائزة المالية للقيام برحلة ستشكل نقطة تحول جوهرية في سيرته الموسيقية، فذهب الى أرض أجداده، ليجد هناك في المقام العراقي، نبعا يستحق البحث عن أساطين هذا النغم الشفوي والتتلمذ على أياديهم، فكان هناك قراء المقام العراقي وفنانوه أمثال: حامد السعدي، فريدة محمد علي، باهر الرجب، وسام أيوب وحسين الاعظمي.


أمير الصفار على السنطور مع قارىء المقام العراقي المعروف حامد السعدي

لكنه إضطر الى الرحيل عن العراق خوفا من تبعات حرب العام 2003، وانقطع عن مواصلة بحثه الموسيقي في بغداد، الا ان الصفّار سرعان ما أصبح ضليعا في المقام العراقي، فتعلم العزف على آلة السنطور، وأجاد الغناء بحسب أصول الأداء التقليدية المعروفة، ليشكل فرقة خاصة في الولايات المتحدة تتولى أداء المقام العراقي.

وبعد عثوره على النغم الموسيقي المتصل بجذوره الثقافية، بدأ الصفار التعاون مع الموسيقيين الذين يدمجون الأنماط الموسيقية التقليدية الآتية من خلفياتهم الثقافية مع الحساسيات النغمية الحديثة، فهو سواء حين يعزف على البوق ضمن موسيقى الجاز، أم في العزف على آلة السنطور ضمن المقام العراقي، كان يجد تأثيرا عاطفيا مستمدا من أصالة موسيقاه الذي كانت تحاور الموسيقيين والجمهور على حد سواء.

إنطلاقا من هذا جاءت إسطوانة أمير الصفار "نهران" التي إستدعى فيها الرافدين (دجلة والفرات)، إشارة الى حضارات ومعرفة، الى جانب أشكال من الدمار والرعب أيضا، كما حاول تصوير مشاهد الجنود والدبابات وهي تسود أرض بلاده التي تعرف بكونها أرض العالم القديم، مثلما كان النهران يمثلان نوعين من الموسيقى يشتغل عليهما الصفار: الجاز والمقام العراقي.

ومع المقام العراقي كان الموسيقي الصفار يحاول إستدعاء الأثر الروحي للبلاد الأولى وهي على وشك ان تتبدد لفرط ما احتشدت فيها جحافل الفوضى والخراب.

والى جانب آلات: الساكسفون، الطبول، الباص غيتار، البزق، الكمان والعود أمكن الوصول الى إنسجام في الاساليب وتدفق سلس للأنغام في تلاقح ثقافي بين نبرات الشرق القديم والغرب الحديث.

وجاءت إسطوانة "نهران" لأمير الصفار الذي عزف رفقة قارئي المقام العراقي المجيدين: حسين الاعظمي وحامد السعدي،جاءت ثناء عاطفيا رقيقا وصادقا على العراق في تجلياته الإنسانية، وحنوا عليه حتى في مصائر مأسوية ما انفكت تطبع أوضاعه الراهنة.


وواصل الصفار هذه الرحلة العجيبة بين ثنايا عصره ولكن عبر هويته الروحية والفكرية الأصلية، عبر اسطوانات " إينانا" ثم " الخيمياء" وصولا الى الأخيرة "أزمة" مرورا بعروض موسيقية نادرة كالتي عناها اداؤه على الترومبيت لتقاسيم من مقام الحجاز في حفل مع فرقة موسيقى الصالة لمدينة مورجن لاند، فحضرت الروح المبهرة لأنغام بلاده والشرق بعامة ليكون رسولها الأنيق الى العالم.

ودون ان ننسى السياق الحاني لعلاقته ببلاده الأولى حين صارت "بلاد النهرين" اسما لفرقته المشاركة في ابرز مهرجانات موسيقى الجاز العالمية.




 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM