نقد أدبي  



سامي مهدي وسعدي يوسف: خصومة الشعر ام اختلاف الفكر؟

تاريخ النشر       02/01/2010 06:00 AM


في مجموعته الشعرية الجديدة "سعادة خاصة" :
الشاعر سامي مهدي يغمز من قناة سعدي يوسف

عمّان- علي عبدالأمير
يفاجئ الشاعر العراقي سامي مهدي قراءه بأن يختم مجموعته الجديدة سعادة خاصة الصادرة عن دار الشؤون الثقافية في بغداد، بقصيدة مهداة الي الشاعر سعدي يوسف ولو أنه وضع في الاهداء الحرفين الاولين من اسم صاحب ديوان "الأخضر بن يوسف ومشاغله" اذ يكتب: الي: س. ي... ثمة مناسبة لذلك حتماً .
ويظهر مهدي في قصيدته "إعلال وإبدال" مستوي من الكراهية لشاعر قلّ نظيره في الكتابة الشعرية المعاصرة:
 كلما قلت: تاب
كلما قلت: ثاب الي رشده، واستقام، وتاب
نزّ قيحاً وسمّاً
وعضَّ رجليَّ عضَّ الكلاب .
و كراهية سامي مهدي لسعدي يوسف، تنبعث من مواقف سياسية مختلفة للشاعرين، فالأول أحد رموز ثقافة حكومية وحزبية في العراق استطاعت فرز الثقافة الي صنفين: مع الحكومة او ضدها ، والثاني احد الرموز الثقافية التي لم تجد الا في الخارج فسحة للحياة والتعبير ازاء القمع المنظم في الداخل. وسعدي يوسف منذ خروجه من العراق عام 1978ما فتئ يعلن في كتابته الشعرية وفي مواقفه ومناظراته موقفاً من الحكم في العراق، كان طبيعياً ان يجرّ عليه كراهية مثقفيه وشعرائه:
 هو حرباء، في كل يوم له سحنة ورداء
وهو يبيع في كل يوم هويته
 ويبدّل ارضاً بأخرى
بحسب المواسم
أو بحسب النساء .
وموقف سامي مهدي من سعدي يوسف، يشير في بعده الادبي، الي شخصيتين تجتمعان في سامي مهدي، الاولى: شخصية المسؤول الحزبي والاداري (رئيس تحرير صحيفة الثورة الناطقة باسم حزب البعث الحاكم في العراق)، وصاحب الموقف الواضح والمباشر حيال سياسة الحكم. والثانية شخصية الشاعر المعني بالغامض والغريب والمخفي والمأخوذ بالسؤال في صفته فسحة للمراجعة والتمحيص.
وهو في مجموعته "سعادة خاصة" يظهر هاتين الشخصيتين بوضوح. فمع قصيدته عن سعدي يوسف وقصيدة "أحلام اليرابيع" و "قتل أميركي" و "حصار" ، ينتظم في شخصيته الاولي مظهراً شكلاً من التعبير عن الوطنية و المقاومة فيه وضوح الكراهية وصولاً الي التنكيل. في قصيدته عن سعدي يوسف يقول:
سيان في شرعه
 ان يصيد الذباب في 10 داوننغ ستريت
أو يرمرم ما تركته الشغيلة
عند متاريس قصر الشتاء
ولم الظن فيه؟
فهذا نضال... وهذا نضال!
ولم العذل؟
ان هو لم يحترف غير ان يتسول من كل باب
وفي كل حال؟! .
وتنتظم في قصيدة "أحلام اليرابيع" فكرة روجتها دوائر الحكم في العراق من ان اهل جنوب البلاد، هم هنود جاءوا للعمل خدماً فيها:
قد جيء به من ارض الهند علي مركب فحم
 فبراه الجوع
وهداه الى سوق البصرة
يربوع آخر ذو ذنب مقطوع .
 

سامي مهدي وسعدي يوسف: خصومة الشعر ام اختلاف الفكر؟

هنا تحيل قصيدتا سامي مهدي الي سؤال كان الشاعر العراقي فوزي كريم اثاره في محاضرة له في عمّان اثناء زيارته لها قبل فترة: كيف لشاعر ان يبرع في قصيدته وهو ينطوي على كراهية، وعلى قسوة، وينتظم في مؤسسة لا تخفي عدوانيتها؟ في اشارة واضحة الي الشاعر سامي مهدي الذي تتردد عنه آراء نقدية تكرس شاعريته وتعتبره من بين ابرز اسماء جيل الستينات الشعري والأدبي في العراق.
وما يؤكد الملمح الشعري الآخر (الشخصية الثانية) عند سامي مهدي قصائد ضمتها مجموعته الجديدة كما في طيران آخر :
ها انا الآن من بعد يوم سعيد
اتقلب في الضحك المتواصل والطيران البعيد
وأمّني جناحيَّ بالبحث عن افق في فضاء جديد .
وتبدو في القصيدة تراكيب ايقاعية تغتني كلما اقترب الشاعر من فكرة الغناء والمصير المجهول، كلما اقترب من السؤال:
لست اعرف لي من مكان ولا من زمان
هائم
كالرياح اذا انتشرت في الفضاءات
لا ابتغي غاية، او اريد سبيلاً .
سامي مهدي الحاضر الى حد القسوة مع الاشياء المعلنة، الواضحة والمتصلة بالحياة اليومية، هو غيره تماماً مع الاشياء المنضوية في علاماتها الخفية، الغاربة، التي تدل علي خسارة:
لم يبق مني غير ظلي
 يشمّ الطريق
كي ينبئ الآتين بعدي
 اني انتحيت وقلت في الترحال قولي
 يا أيها الغادرون قبلي
 ما كان لي فيكم صديق
 وكنت في الظلمات وحدي
 وكان قصدي
 ان اسبر الغور العميق
وأكون وحدي حين يحضرني التجلّي .
بعدان احدهما سوسيولوجي وآخر سايكولوجي، تنطويان عليهما شخصية الشاعر سامي مهدي وقصيدته، وهما في انسجامهما البائن قد لا يستمران طويلاً في الانسجام، فضغط الموقف الرسمي يكتسح الالتماعات الشعرية، او يتصاعد السؤال في مراجعاته سيرة لا يبدي الشاعر غضاضة في الكشف عن ملامحها:
ها انت تعترف
 لا أنت مظلوم فتنصف
 او ظالم مما جنى يجف
 ها أنت...
لازهد ولا شرف ها أنت
لا ندم علي شيء ولا أسف .

* نشرت في صحيفة "الحياة"  08-11-2001



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM